وسئلت عما يظهر من الجواب.

    فأجبت : الحمد لله، أما حوز الأرضين المحبَّسة بالحراثة فكاف بلا نزاع، لأن الحوز فيها يكون بالحراثة وبالتطوف عليها من جمع جهاتها والوقوف على حدودها، يكون بعقد إكرائها وبغير ذلك، لاكن الحوز بالحراثة أقوى ؛ قال ابن سلمون عن ابن العطار : وجرت الفتيا بأن التطوف مع الشهود، وتخلِّي المحبس عليهم بمحضرهم، حيازةٌ له تامة وإن لم يعاين الشهود في الحبس، قال غيره : وإن لم يحرث ذلك أو يعمره بعد المعاينة الخ، فانظر قوله (وإن لم يحرث ذلك الخ)، فما قبْلَ المبالغة إن حرث ذلك أحرى، لأن ما قبل المبالغة أولى بالحكم مما بعدها، فلذلك قلنا : إن حوزها بالحرث أقوى، تأملْه.

   وليس قول الوثيقة (وحازوا جميع الأرضين بالحراثة الخ) شرطا، ولا يتوهم أحد أنه شرط، وليس من كلام المحبس، وإنما هو بيان لكيفية الحوز الصادر من المحبس عليهم. وأما إن حرث تلك الأرضين المحبسة واحد من المحبس عليهم فقط، فيجب عليه الكراء لجميعهم، لأنهم شركاء معه في منفعة الأرض فلا يستقل بغلتها وحده، وهذا ضروري، إذ حيث كانت الأرض محبسة على جميعهم فغلَّتُها لهم بتمامهم على قاعدة الشركة.

   وأما من أكرى حصته من المحبس عليهم لأجنبي فإن بقية المحبس عليهم يشفعونها إن أحبوا، لأن المنفعة ملك لهم ومشتركة بينهم، والشفعة واجبة للشركاء كما هو معلوم أيضا، وقد ذكر هذا المعنى الشيخ بناني في حواشيه عند قول المختصر : ((لا محبس عليه ولو ليحبس)).

   وأما إيثارُ أهل العلم منهم فمعناهُ الترجيحُ والزيادة في قسمتهم، وتفضيلُهم على غيرهم باجتهاد الناظر أو القاضي إن لم يكن ناظر، وليس معناه أخْذَ جميع الغلة واستبدادَهم بها وحدهم.

   قال الزرقاني على قول المختصر : ((وأُوثِرَ المحتاجُ الأبْعدُ)) ما نصه : بأن يزادَ على غيره لا بالجميع.

   وفي هذا القدر كفاية، والله أعلم، قاله وكتبه المهدي الوزاني لطف الله به.