سئل سيدي عبد الله العبدوسي على قاعة كانت محبسة على مسجد في استجار امرأة، فلما توفيت تصدقت بها على المسجد المذكور وصارت تكرى بستة دارهم وبثمانية، ويحتاج إلى إصلاح ماء أعتد بها. وطلب من جيرانها تعويضها بحانوت تكرى بخمسة عشر درهما وبعشرين درهما ولا تحتاج لإصلاح، كما تحتاج الدويرة المذكورة لكنس مرحاض وبناء ما تهدم منها. وأثبتوا رسما بذلك، وأن تعويضها صلاح وسداد، بحيث لا يشك في ذلك فهل يجوز ذلك أم لا؟ لكونه وصية في المرض بلفظ الصدقة، بين لنا الحكم في ذلك.
فأجاب : أما مسألة الصدقة فقد تقدم جوابي عنها تحمل محمل الأحباس، لقصد الناس بالصدقة على المسجد الحبس إلا بشروط وهي معدومة في مسألتنا هذه.
وسئل عنها مرة أخرى.
فأجاب بما نصه : أما صدقة المرأة المذكورة فهي محمولة على التحبيس لا على الصدقة المطلقة التي تباع ويتصدق بثمنها في مصالح المسجد. إذ مقصد الناس وعرف تخاطبهم في الصدقة على المسجد الحباسة عليه ليس إلا، وينبغي للمفتي أن ينظر إلى مقاصد الناس ومُقتضَى مخاطبتهم فيبني عليها الحكم، ويرتب عليها الجواب، وكل من ينظر على الروايات فيفتي بها فيما تختلف فيه الأحكام باختلاف المقاصد والعوائد فقد أخطأ، وكان ذلك منه فسقا إن علم ذلك وقصد، وليس هذا بخلاف لما قالوا فيمن أوصى بعقار للمساكين صدقة عليهم ولم يذكر تحبيسا أنه يباع ويتصدق بثمنه عليهم ولا يكون حبسا لما قدمنا، وهذا إذا ماتت المتصدقة ولم يكن استفسار شهود الرسم لموتهم أو بعد غيبتهم، أو استفسروا وقالوا ليس عندنا إلا ما في الرسم خاصة، وأما ان كانت حية وسئلت عن مرادها فبينته أو كانت ماتت فبينه شهود الصدقة فالعمل على ما وقع به البيان من صدقة يصح بيعها أو حباسة موقوفة، فإذا قلنا إنها محمولة على الحبس فالحبس لا تجوز المعاوضة فيه عن القول بجوازها، وبه مضى العمل، إلا بشرط أن يكون خرِباً ولا تكون له غلة يصلح بها ولا يوجد من يَتَطوع بإصلاحه ولا ترجى عودته إلى حالته بإصلاح أو غيره. وذلك مفقود في مسألتكم فلا تجوز المعاوضة فيها، وإن عُوِّض عنها بمائة ألف وباللّه التوفيق، قلت تذكَّر بهذه معاوضة الحباك الفخار مع ولده عرصة الطرايفي، والدار التي له الجزيرة من عدوة الأندلس، فالظاهر منع تلك المعاوضة لعدم استكمال عقدها لشروطها فترجع العرصة حبساً والدار ملكاً واللّه سبحانه وأعلم.