واقفات خالدات
  • Register
21 نونبر 2024
 

    تحفل ذاكرة الوقف بأسماء نساء رائدات من العالم الإسلامي تركن بصمات مميزة في العمل الوقفي بأحباس وأوقاف طبعت مجالات عدة في حياة الإنسان، سواء ما يتصل منها بالشعائر الدينية، أو بطلب العلم والتعليم، أو بالخدمات الاجتماعية أو ما يتعلق منها بالأنشطة البيئية والزراعية.

    وإن كان المقام يضيق بذكر الأسماء الكثيرة في هذا المجال، حيث يظهر أن المرأة شاركت بنصيب وافر ومقدر في تطور الوقف، فإننا سنكتفي بذكر نماذج لتجارب نسائية رائدة من أزمنة مختلفة أسهمن في إنشاء الوقف وإدارته وتنميته.

.1  السيدة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها (دار المدينة المنورة(

   لقد كان لزوجات النبي صلى الله عليه وسلم القدوة الحسنة في البذل والعطاء والوقف، حيث اشترت أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما منزلا ووقفته، وكتبت في شرائه: أني اشتريت منزلا وجعلته لما اشتريت له، فمنه مسكنا لفلان ولعقبه ما بعده إنسان، ومسكن لفلان (وليس فيه ولعقبه) ثم يرد ذلك إلى آل أبي بكر1.

.2 السيدة فاطمة الفهرية  (جامع القرويين (

    يعد هذا المسجد التاريخي العظيم الذي أنشأته السيدة فاطمة بنت الشيخ الفقيه أبي عبد اللَّه محمد بن عبد اللَّه الفهري القيرواني بمدينة فاس، المعروفة باسم فاطمة أم البنين. وكانت رحمها الله،  قد ورثت عن والدها ثروة مباركة لم تطب نفسها إلا بأن تهبها للَّه تعالى فتبني بها مسجداً جامعاً، واختارت له الأرض المناسبة بنفسها، ودفعت ثمنها (ستين أوقية من الذهب) مع تكاليف البناء2. وقد تم الشروع في بناء هذا الجامع في شهر رمضان الأبرك من عام 245 هـ، ونذرت السيدة فاطمة الفهرية أن تصوم للَّه طيلة مدة بنائه.

.3 السيدة مريم الفهرية (جامع الأندلسيين(

    يعتبر جامع الأندلسيين الشقيق الأصغر لجامع القرويين بفاس، فقد بنته السيدة مريم الفهرية شقيقة السيدة فاطمة الفهرية بانية جامع القرويين. والمسجدان هما أيضاَ شقيقان من جهة بنائهما، في وقت واحد في مدينة واحدة.

.4 السيدة مسعودة الوزكتية (جامع باب دكالة(

    شيدت والدة الخليفة السعدي أحمد المنصور السيدة مسعودة الوزكتية جامع باب دكالة بمراكش، وجهزته بخزانة للكتب، كما خصصت له أحباسا للكراسي العلمية و ذلك سنة 995 هـ3.

    وقد تحدث عنه المقري4 فقال: "وقد ابتنت أم مولانا نصره الله جامعا عظيما بباب دكالة وأكثرت عليه من الأوقاف والجرايات وخزائن الكتب وكراسي أنواع العلوم.5"

.5السيدة فوز جارية (رباط الحجازية(

     أنشأت السيدة فوز جارية علي بن أحمد الجرجرائي الوزير رباط 6 الحجازية بجوار مسجدها بالقاهرة 415هـ، وأوقفته على أم الخير الحجازي، وكانت الحجازية واعظة زمانها وقد تصدرت حلقات الدرس والوعظ في جامع عمرو بن العاص، كما عنيت بتثقيف المقيمات بهذا الرباط.7

.6السيدة خاصكي سلطان (تكية خاصكي سلطان(

     أنشأت السيدة روكسلانة خاصكي سلطان زوجة السلطان العثماني سليمان القانوني سنة 960 هجري/1552 ميلادي، في مدينة القدس بجوار المسجد الأقصى المبارك تكية8 خاصكي سلطان، وكانت من أكبر المؤسسات الخيرية في فلسطين طيلة العهد العثماني، واستمرت في تقديمها للخدمات الجليلة للفقراء والمرابطين والمسافرين لسنين عديدة، كما أوقفت على التكية قرى ومشاريع تدر أرباحا لتسد احتياجات التكية ومصاريفها والعاملين عليها، وقد بلغت المشاريع والقرى الموقوفة على التكية زهاء 29 قرية ومزرعة ومشروعا حسب ما ورد في وقفيتها9.

.7 السيدة زبيدة بنت جعفر بن المنصور (بئر زبيدة) المشروع المائي بمكة

     شيدت السيدة زبيدة زوجة الخليفة هارون الرشيد مشروعا مائيا كبيرا من الآبار والبرك والصهاريج بمكة المكرمة، أشهرها البئر المعروف بـ "زبيدة"، وحفرت العين المعروفة بـ "عين المشاش" برأس الحجاز، وأجرتها من مسافة اثني عشر ميلا إلى مكة و عرفة في قناة محكمة.

     ولما شاهدت ما يعانيه أهل مكة من التعب والمشقة للحصول على ماء الشرب، بحيث لم يكن لهم مناهل وينابيع، بل كانوا يعتمدون على ماء المطر، وعلى بعض الآبار التي تفيض أحيانا وتجف أحيانا أخرى، وأمرت خازن أموالها بدعوة المهندسين والعمال من أنحاء البلاد وقالت لهم كلمتها المشهورة "إعمل ولو كلفتك ضربة الفأس دينارا"10.

.8 السيدة تذكار باي خاتون (رباط البغدادية(

      أنشأت السيدة تذكار باي خاتون ابنة الملك الظاهر بيبرس "رباط البندقداري" بالقاهرة سنة 684 هـ، وأنزلت به الشيخة الصالحة زينب بنت أبي البركات المعروفة ببنت البغدادية ومعها عدد من السيدات الخيرات، و أمرت بالصرف عليهن11.

.9 السيدة عزيزة عثمانة (مارستان تونس(

      يذكر التاريخ السيدة عزيزة عثمانة زوج حمودة باشا المرادي  ببناء مارستان12 تونس سنة 1080 هـ، أوقفت عليه من الرباع والعقار ما هو كثير13، وتحبيسها أيضا على فك الأسرى وتجهيز الأبكار، وختان الصبية الفقراء، بما في ذلك كسوتهم وأجرة الخاتن.

.10 السيدة طغاي أم أنوك (خانقاه أم أنوك(

      أنشأت السيدة طغاي أم أنوك زوجة السلطان المماليكي الناصر محمد بن قلاوون سنة 745 هـ خانقاه14 بالقاهرة، ورصدت عليها الأوقاف الكثيرة، وقررت لكل جارية من جواريها مرتبا يسهرن على خدمة العباد والفقراء وعابري السبيل15.

.11 السيدة فاطمة عثمانة (سجن القصبة(

      حبست السيدة فاطمة عثمانة إحدى أميرات سلالة الحسينون بتونس، أموالا كثيرة تصرف في إطعام وتغذية ورعاية نزلاء سجن القصبة بتونس16.

.12 السيدة أم أبي نصر (المدرسة البشيرية(

     وقفت زوجة الخليفة المستعصم أم ولده أبى نصر المعروفة بباب بشير، "المدرسة البشيرية" في بغداد سنة 356 هـ، وجعلتها للمذاهب الأربعة17 فأوقفت عليها الكتب والأموال، وكانت كتبها تعار خارج أسوار الجامعة لقاء رهن للحفاظ عليها وضمان إعادتها، مثلما جرى عليه العمل في المكتبات الخاصة بالمدارس الأخرى.

.13 السيدة أروى بنت أحمد الصليحي (مراعي الحيوانات(

    تميزت السيدة الملكة أروى بنت أحمد الصليحي (الدولة الصليحية في اليمن 439 هـ 1047 م) التي كانت على قدر كبير من رجاحة العقل وبعد النظر وقوة الإدراك، حتى أنها كانت تلقب بـ"بلقيس الصغرى"، باهتمامها بالثروة الحيوانية حيث أوقفت عليها الأراضي الواسعة ومنها مرعى حلبة السيدة في ضاحية مدينة "إب" ومساحتها مئات الفدانات، كما أوقفت أيضا أراض أخرى ليصرف ريعها لشراء فحول الضراب وتلقيحها18.

------------------------------------------------------------

 -1الخصاف، أبو بكر أحمد بن عمر، أبو بكر أحمد بن عمر الخصاف- كتاب أحكام الأوقاف مطبعة ديوان الأوقاف المصرية 1904 - ص 13

 -2أحمد الريسوني - الوقف الإسلامي مجالاته وأبعاده – طبعة 2001 ص 54

 -3رقية بلمقدم، أوقاف مكناس في عهد مولاي إسماعيل، ط. وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربية 1413هـ / 1993م، ص 82.

 -4أحمد المقري: روضة الآس العاطرة الأنفس في ذكر من لقيته من أعلام الحضرتين مراكش وفاس – المطبعة الملكية, ط 2 1983 ص63

 -5من نص تحبيس ما أوقفته مسعودة الوزكيتية من أعيان على جامع باب دكالة بمراكش

 -6الرُّبُط (جمع رباط) كانت تجمع بين التعبّد والتعليم والجهاد، و تقوم بالإيواء والإطعام للوافدين عليها والعابرين بها.(رقية بلمقدم، م س ص 42(

 -7محمد بن أحمد بن صالح الصالح – الوقف في الشريعة الإسلامية و أثره في تنمية المجتمع – 2001 ص 177

 -8التكية: أطلق العثمانيون على الخوانق والزوايا التي كانت قبلهم أو تلك التي أسموها اسم التكية و هي  المكان الذي يقيم فيه الناس  حيث يقضون أوقاتهم في العبادة و يأكلون مجاناً ، كما أنها قامت خلال العصر العثماني بدور آخر وهو تطبيب المرضى وعلاجهم وهو الدور الذي كانت تقوم به البيمارستانات في العصر الأيوبي والمملوكي، إلا أنه مع بداية العصر العثماني أهمل أمر البيمارستانات وأضيفت مهمتها إلى التكايا.

 -9منى القواسمي - القدس عاصمة الثقافة العربية لعام 2009 

 -10عفاف عبد الغفور حميد – مساهمات المرأة في الوقف الإسلامي العلمي: نماذج عبر التاريخ- 2011  ص 8  

 -11محمد بن أحمد بن صالح الصالح – م.س. ص 178

 -12مارستان أو بيمارستان هي كلمة  معناها مستشفى أو محل المرضى و هي كلمة داخلية فارسية و يستعمل المؤرخون المغاربة لفظة مارستان باسم "بيمارستان مراكش" الذي أسسه يعقوب الموحدي و تعتبر أيضا المارستانات بمثابة  معاهد لتدريس الطب.

) يوسف لوشيوني – المؤسسات الحبسية في المغرب من النشأة إلى سنة 1956 – ترجمة نجيبة أغرابي ص 174.(

 -13محمد بن عبد العزيز بنعبد اللًَّه - الوقف في الفكر الإسلامي، المغرب 1996 ص 150.

 -14الخوانق (جمع خانقاه) هي مكان اختلاء وإقامة وعبادة المتصوفة والزهاد المنقطعين عن الدنيا للعبادة – بمعناها الشعائري الخاص – وكانت توقف عليها الأوقاف التي يفي ريعها بما تحتاج من نفقات. و كان للخانقاه مرافقها المعاشية، من مخبر ومطبخ ومشرب، وغيرها و بها أيضا عـدد من الغـرف مخصصة لإقـامة الفقـراء وعابـري السبيـل. (قاموس المؤسسات المالية الإسلامية)

 -15محمد بن أحمد بن صالح الصالح – م.س. ص 178

 -16رندى ديغليم – الوقف في العالم الإسلامي: أداة سلطة اجتماعية و سياسية –دمشق 1995، ص 42.

 -17إسهام المرأة في وقف الكتب في منطقة نجد إعداد د . دلال بنت مخلد الحربي - ندوة المكتبات الوقفية في السعودية ص 718

 -18عفاف عبد الغفور حميد – م س.  ص 13

VISOTORS"

اليوم 27

الأمس 94

هذا الأسبوع 259

هذا الشهر 1600

الكل 83062

CONTACTUS

location icon75 زنقة سبو٬ أكدال٬ الرباط - المغرب

PHONE ICON 50 26 27 37 5 212+

FAX ICON 55 26 27 37 5 212+

EMAIL ICON عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

joinus

يعدّ إحداث المجلس الأعلى لمراقبة مالية الأوقاف العامة ثاني تجربة يعرفها المغرب في مجال إسناد مهام مراقبة التدبير المالي للأوقاف العامة إلى مؤسسة مستقلة عن الوزارة الوصية، حيث كانت التجربة الأولى من خلال "المجلس الأعلى للأحباس" الذي أحدث بموجب الظهير الشريف الصادر بتاريخ 16 جمادى الثانية 1332 الموافق لتاريخ 12 ماي 1914.