يعدّ إحداث المجلس الأعلى لمراقبة مالية الأوقاف العامة ثاني تجربة يعرفها المغرب في مجال إسناد مهام مراقبة التدبير المالي للأوقاف العامة إلى مؤسسة مستقلة عن الوزارة الوصية، حيث كانت التجربة الأولى من خلال "المجلس الأعلى للأحباس" الذي أحدث بموجب الظهير الشريف الصادر بتاريخ 16 جمادى الثانية 1332 الموافق لتاريخ 12 ماي 1914، والذي كان يتشكل بالإضافة إلى رئيسه الصدر الأعظم، من أكابر رجال الدولة و هم وزير العدلية ووزير الأوقاف وبعض علماء المسلمين وأعيانهم، ومشاركة أمين سر الحكومة الشريفة، ورئيس مراقبة الأحباس، ومندوب من قبل إدارة المالية، بالإضافة إلى من كانت فيهم أهلية وكفاءة لإبداء الرأي والمشورة.
وقد حدد ظهير إحداث المجلس الأعلى للأحباس اختصاصاته في:
- المراقبة العليا على سائر أعمال إدارة الأحباس.
- بحث كل المسائل العامة التي تتعلق بإدارة الأملاك الحبسية إدارة حسنة.
- فحص حسابات الأعمال المنتهية.لكن سرعان ما تم الاستغناء عن المجلس الأعلى للأحباس بعد انعقاده في دورتين فقط، وذلك لأسباب تمثلت أساسا في الميول الجديدة لإدارة الحماية الفرنسية منذ سنة 1918، ومحاولتها التدخل في شؤون الأوقاف، من خلال جهاز مراقب الأحباس الذي كان في بداية عهد الحماية مجرد مكتب فني لمساعدة إدارة عموم الأوقاف على إعادة تنظيم شؤونها، ثم ما لبث أن أصبح المدبر الفعلي للأوقاف.
لكن هذا لم يثن السلاطين المغاربة من إصدار ظهائر شريفة تنظم العمل الوقفي، منها ما تعلق بتحسين حالة الأحباس العمومية، وكذا الحقوق المترتبة عليها من جزاء وزينة واستيجار وجلسة، إضافة إلى طرق كرائها، فضلا عن ضبط المعاوضات في أملاك الأحباس التي عليها المنفعة، إلى غير ذلك من التشريعات الوقفية الخاصة، التي عرفت باسم "الضوابط الحبسية".
إلا أن هذه الضوابط لم تعد مسايرة لمتطلبات النهوض بقطاع الأوقاف بالنظر إلى التطورات الكبيرة التي عرفها المغرب في عهد الإستقلال.
وانسجاما مع المراجعة الشاملة للقوانين المتجاوزة، وسعيا إلى بناء ترسانة تشريعية حديثة، سعت الدولة المغربية إلى إصدار "مدونة " (Code) تعنى بالأوقاف و تعد بمثابة القانون العام (Droit commun) للوقف بالمغرب، تجاوز فيها تشتت النصوص السابقة وقصورها في جوانب معينة، وعدم مجاراتها للواقع الوقفي في جوانب أخرى، وهو بهذا المسعى والتوجه تضع لبنة قانونية، وتؤسس لتجربة جديدة فريدة في تقنين مؤسسة الأوقاف، في بعدها الشمولي التكاملي، تسييرا وتدبيرا ورقابة وإنماء.
ووعيا بالدور الرقابي المالي والمحاسبي في تطوير آليات العمل الوقفي، وتصحيح مساره التدبيري والتسييري بشكل أكثر نجاعة، فقد استكمل هذا البناء التشريعي بإحداث "المجلس الأعلى لمراقبة مالية الأوقاف العامة"، الذي حددت اختصاصاته بمقتضى الفرع الثاني من الفصل الثاني من الباب الرابع من الظهير الشريف رقم 236–09– 1 الصادر بتاريخ 8 ربيع الأول 1431 الموافق ل 23 فبراير 2010 المتعلق بمدونة الأوقاف، حيث عهد إليه بتتبع شؤون التدبير المالي للأوقاف العامة.
ويندرج هذا التأسيس في إطار العناية السامية التي يوليها أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس حفظه الله للمؤسسة الوقفية كما أولاها أسلافه رحمهم الله، وكذا رغبة من جلالته في عقلنة تدبيرها و النهوض بشؤونها، وبعثها من جديد، لتقوم بالدور الذي عرفت به منذ أن أشرقت على المغرب شمس الإسلام، ولتجاوز الفتور الذي اكتنفها إبان الفترة الاستعمارية.
هذا، ويمارس المجلس الأعلى لمراقبة مالية الأوقاف العامة اختصاصات متعددة ومتنوعة، نصت على بعضها المادة 158 من مدونة الأوقاف والبعض الآخر أشارت إليه المدونة في مواد متفرقة.
ويتألف المجلس الأعلى لمراقبة مالية الأوقاف العامة من أعضاء معينين جميعا بظهير شريف، وهم:
- رئيس المجلس،
- كاتب العام للمجلس،
- ممثل عن المجلس العلمي الأعلى،
- شخصية علمية من الفقهاء الذين لهم دراية واسعة بشؤون الوقف،
- قاض له صفة رئيس غرفة بالمجلس الأعلى للحسابات ،
- مستشار قانوني خبير في مجال الوقف،
- خبير محاسب مقيد بهيئة الخبراء المحاسبين،
- ثلاثة خبراء من بين الشخصيات المشهود لها بالكفاءة في مجال التدبير الإداري و المالي،
ويعقد المجلس جلساته بكيفية منتظمة مرة كل ثلاثة أشهر على الأقل، وكلما دعت الضرورة إلى ذلك.
ولمساعدة المجلس على القيام بمهامه، ثم إحداث ثلاث لجان دائمة هي:
- لجنة للافتحاص والتدقيق المالي،
- اللجنة الاستشارية الشرعية،
- لجنة تنمية الوقف و تحسين أساليب التدبير،
وكذا لجنتان مؤقتتان، وهما :
- لجنة إعداد مشاريع النصوص المالية و المحاسبية المرجعية،
- لجنة البحث و التحري و المعاينة،
كما يمكن للمجلس إحداث لجان دائمة و مؤقتة أخرى لدراسة قضايا معينة.